آدم دنون يعود إلى اللد

الكلمة التي ألقاها الياس خوري خلال أمسية نظمت في اللد بالتعاون مع “مكتوب” في الذكرى السبعين لاحتلال المدينة. سلطت الأمسية الضوء على رواية خوري “أولاد الغيتو- إسمي آدم” التي تصور الحياة في الغيتو الذي جمع فيه السكان العرب الذين بقوا في اللد بعد احتلالها.

بداية أن أعترف بأنني أشعر بالارتباك، كأنني كاتب مبتدئ يتعلم أن يتهجى إيقاع نص يعرف أنه عاجز عن كتابته. فالكلمات التي اختزنها الصمت طوال سبعين عامًا، تتشقق بين يديه وتستولي على روحه وخياله، بحيث صار يشعر أنه لا يكتب بل ينكتب، وأن النص الذي يتشكل أمامه يعيد تشكيل وعيه.
هذا ما فعلته مدينة الخضر بي، جئتها كي أتابع حكايات رواية «باب الشمس»، فرأيت نفسي وقد صرت أسيرًا في الغيتو الذي سيجه الاحتلال بالأسلاك الشائكة والعطش والدم. وفي هذا الغيتو الذي قادني إليه رجل صنعه الخيال اسمه آدم دنّون، تعلمت الحب والصبر ودخلت في معمودية الدموع والألم.
أقف وإلى جانبي يقف آدم دنون، أنظر فأراه وقد عاد إلى اللد، حاملاً على كتفيه سبعين عامًا من النكبة المستمرة، لا ليبحث عن خريطة الألم، كما فعل في روايته، بل ليستمد نبض الحياة من عيون من تبقى، ويعيد معكم وبكم رسم أفق الحرية الذي يصنعه صمود بقايا شعب لملم فتات الحياة من أشلاء جامع دهمش ومن أزقة المدينة التي التهمها الذباب الذي أتى به الاحتلال.
هنا في غيتو اللد وفي غيتوات الرملة وحيفا ويافا، صار الفلسطيني وريث كل الضحايا، وصنع من المنفى وطنًا، بعدما تحول وطنه إلى منفى.
عودة آدم دنون الرمزية هذه ليست استعادة للماضي، بل هي وقوف على أطلال الأزمنة، فنحن لا نقف على أطلال المكان حيث القرى والدساكر المهدمة إلا لنرثي هذا الزمن المتوحش، الذي جعل من شعب كامل وريثًا للتيه. نرثي الزمن ونبكي التاريخ الأعمى الذي سمح للصهيونية المدججة بالعنصرية الكولونيالية بأن تحاول محو شعب كامل وتسليمه للغياب.
يستطيع آدم دنون أن يعود إلى مدينته محمولاً على الكلمات، لا لكي يستعيد أسطورة دينية موروثة من الوهم، بل لأنكم بقيتم هنا، فكما صنعت إسرائيل لشعبكم نكبة دائمة فإن بقاءكم على أرضكم صنع لشعبكم عودة دائمة وممكنة.
أنتم الحاضرون، رغم أنهم أطلقوا عليكم صفة الحاضرين- الغائبين، غياب من طرد من مدينتكم في مسيرة الموت الرهيبة في تموز 1948م، يؤكد حضوركم وحضورهم، بكم يحضر الغائبون، ومن حنايا لغة حياتكم اليومية المصنوعة من الألم تولد الكلمات على أرض لا تعترف إلا باسمها الفلسطيني.
كتاب «أولاد الغيتو- اسمي آدم» هو رحلة في لجة العتمة والقهر برفقة آدم ومنال ومأمون. في هذه الرحلة المليئة بالأسى والنابضة بإرادة الحياة تعلمت أن أستمع إلى الصمت، وأقرأ الممحو، وألتقط همس الذاكرة.

لمتابعة القراءة اضغطوا هنا.

 

مقالات ذات صلة:

“أولاد الغيتو” في الذكرى ال-70 لسقوط اللد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *