العربيّة هي أقرب اللغات المحكيّة إلى العبريّة، وهي لغة الشرق الأوسط، ولغة فلسطينيّي البلاد، ولغة الميراث لنحو نصف يهود إسرائيل. فضلًا عن ذلك، العربيّة هي لغة رسميّة في إسرائيل منذ سبعة عقود، وموضوع تدريسيّ إلزاميّ في المدارس. على الرغم من ذلك، يسود في صفوف اليهود في إسرائيل جهل مطلَق في كلّ ما يتعلّق بالعربيّة؛ فغالبيّتهم لا يفقهون العربيّة ولا يتحدّثون بها، ولا يستطيعون قراءتها أو كتابتها. لغة المنطقة استُبدِلت بـِ “العربيّة الإسرائيليّة”، وهي لهجة اجتماعيّة (sociolect) مُعَدّة لليهود حصريًّا، وتعبّر عن المسافة الآمنة بين دارسي اللغة العربيّة (أي المجتمع اليهوديّ في إسرائيل) والعالَـمِ العربيّ. كيف إذًا تولّدت هذه الحالة الشاذّة؟
يعالج الكتاب لغة خارج مكانها: الاستشراق والمخابرات واللغة العربيّة في إسرائيل هذه المسألةَ، ويتقصّى أثر تطوُّر تدريس العربيّة في البلاد في السنين المئة الأخيرة، ويتوقّف عند المنطق الذي يسيّره.يكشف الكتاب النقاب عن محورَيْن تبلور حولهما تدريسُ اللغة العربيّة في إسرائيل: المحور الأوّل هو النهج الفقهيّ -النحويّ لتدريس اللغة، وهو نهج جاء به المستشرقون اليهود من أوروبّا في مطلع القرن العشرين؛ والمحور الثاني هو الرابط الاستخباراتيّ الذي نما على خلفيّة الصراع العربيّ الإسرائيليّ، وتبلورت في إطاره شبكات مدنيّة -أمنيّة في حقل تدريس اللغة العربيّة.
هذا الكتاب رياديّ في كلّ ما يتعلّق بتحليل التاريخ الاجتماعيّ والسياسيّ لتدريس اللغة العربيّة في إسرائيل. وهو يتوقّف عند جدليّة هذا التاريخ التي تتميّز بحركة بين خطاب السلام وخطاب الأمن، ويُظهِرُ كيف يكمّل هذان الخطابان (المتناقضان ظاهريًّا) كلّ منهما الآخَر كما في الحلقة المفرغة، كما يُظهر تولُّد حالة لا تقرّب فيها دراسة اللغة العربيّة بين دارسيها وناطقيها، بل تسهم في الفصل والنفور بينهما.