صدر حديثاً جداً كتاب جديد للبروفيسور المعروف يهودا شنهاف- شهرباني والذي يحمل عنوان “قصة تبدأ بحاجبين عربيين: الترجمة بالحوار مع الياس خوري” (باللغة العبرية)، وهو من إصدار جامعة بار ايلان، 2020. يحتوي الكتاب على 144 صفحة من القطع الصغير ويشتمل على فاتحة وثلاثة فصول (أدب، ترجمة، قراءة) وخاتمة جاءت تحت عنوان (مكان توقيع)، كما أُلحق الكتاب بقائمة تضم الأعمال الروائية للكاتب الياس خوري.
يعرض الكتاب أجزاء من السيرة الذاتية، ولأول مرة باللغة العبرية، للكاتب العربي، الفلسطيني، اللبناني والعالمي الياس خوري من مواليد لبنان، عام 1948. كما يشمل قراءة أولى، باللغة العبرية، لمجمل أعمال خوري. من خلال هذة المقالة المهمة، يعرض شنهاف أيضا أفكار حول الترجمة كحوار أدبي وسياسي، نص إضافي “للمصدر”، يتطور من داخله، ينصب أمامه مرآه ولا يستبدله.
من خلال فاتحة الكتاب يستعرض شنهاف ما واجهه أثناء قراءة رواية الياس خوري “مجمع الأسرار”، والتي ترجمها لاحقا للعبرية، حول ترجمة الكلمتين “حاجبان عربيان” والتي نقلهما الياس خوري عن المترجم صالح العلماني الذي ترجم بدوره رواية غابرييل غراسيا ماركيز “قصة موت معلن” من الاسبانية الى العربية، وكيف أن الكلمتين نفسهما تُرجمتا بأشكال مختلفة الى اللغات العربية والعبرية والانجليزية والفرنسية، ويسرد شنهاف حواره مع خوري وآخرين بهذه القضية. يستخدم شنهاف هذه الحادثة كمقدمة من أجل عرض الأسئلة التي يحاول معالجتها من خلال الكتاب: ما هي الترجمة ؟ وما هي طبيعة العلاقة بين المؤلف والمترجم والحوار الذي يدور بينهما وكيف يؤثر هذا على النص؟ وكيف ينبغي ان يخلق المترجم لنفسه حيزاً ثالثاً؟ وما علاقة الأصل بالنص؟ والخ.
لقد ترجم شنهاف عدد من أعمال الياس خوري الفلسطينية واللبنانية إلى اللغة العبرية: ‘الجبل الصغير’، ‘رحلة غاندي الصغير’، ‘مجمع الأسرار’، ‘أولاد الغيتو-اسمي آدم’ (الجزء الأول) وأولاد الغيتو-نجمة البحر’ (الجزء الثاني)، وقد جرت بينهما حوارات عديدة قبل وأثناء وبعد كل من التأليف والترجمة ويسرد شنهاف بعض من هذه الحوارات بشكل أنيق ويجترح منها تبصرات عميقة. يبرز، وبشكل جلي، مدى الإحترام والتقدير الذي يكنه ويعبر عنه شنهاف لخوري ولنشاطه الثقافي والسياسي والأدبي ولمواقفه الإنسانية الشجاعة.
يعمل شنهاف من خلال هذا الكتاب على تقديم تبصرات وأفكار ونظريات مهمة في مجال الترجمة وخصوصاً نقده “للترجمة الكلاسيكية -الجديدة” التي تعتمد على المترجم الواحد، المنعزل والمقيد، والذي يبقى متعلق بالمؤلف مما يجعل العلاقة بينهما هرمية وموتورة. مقابل النظرية التي يقترحها شنهاف وهي “الترجمة بالحوار” والتي تُنشئ تفاعل وتواصل بين المؤلف والمترجم. في هذه الشروط لا يكون الحوار استعارة اللغة فقط، ولكن يشكل مبدأ أساس في الواقع الذي يجد تعبيراً أنموذجياً في اللغة، وبالنتيجة، تكون هنالك مسؤولية على كل من المؤلف والمترجم والتي لا تقاس في تفسير الكلمات فقط. في هذه الحالة، يشكل الحوار فعل سياسي وليس فقط فعل أدبي، وكذلك أيضا الترجمة، الشيء الذي يتطلب الإجابة على الأسئلة التالية: ما هو الحوار؟ كيف يدار الحوار؟ وما هي مسؤولية المترجم بالحوار؟.
كتاب شنهاف كتاب رائع وشائق، كتاب عميق ومدهش، يقدم جديداً في مجال الحوار والترجمة والأدب والعلاقة بينهم. يستند شنهاف في كتابته على المعرفة النظرية (وخصوصا على أعمال الناقد الادبي باختين) وعلى الممارسة الفعلية والتجربة سوآءا من خلال فعل الترجمة أم من خلال الحوار والدمج بينهما. كما ان الكتاب يجسد بشكل جدي تداخل التخصصات العلمية المتنوعة.
يحتل الياس خوري وأعماله الحيز الأكبر من هذا الكتاب، إلا ان شنهاف يورد تجربته وعلاقته مع الكاتب المرحوم سلمان ناطور أيضا، الذي ترجم شنهاف بعض أعماله. لا يمكن من خلال هذه المساهمة إستعراض الكتاب بشكل موسع ولكني أوصي به. بل هو كتاب ضروري لكل من يهتم بأعمال ألياس خوري وحضورها في السياق الإسرائيلي، ولكل من يهتم بالترجمه. ومن الجدير بالذكر، فإن الياس خوري يقاطع إسرائيل، ولكن لا يرفض أن تُترجم أعماله للعبرية دون أن يوقع اتفاقات بهذا الصدد، إيمانا منه، بأنه من الضروري أن ينكشف الإسرائيلي على الأدب الفلسطيني والعربي. ويفتتح شنهاف الفصل الأول من كتابه (أدب) بموقف خوري إزاء التطبيع والمقاطعة وسحب الاستثمارات ومعاقبة إسرائيل.من المهم الإشارة إلى أن شنهاف هو عالم إجتماع معروف ومؤثر، شغل رئيس تحرير مجلة “نظرية ونقد” وبادر الى تأسيس مشروع “مكتوب” لترجمة الأدب العربي للغة العبرية، كما أنه ناقد للإستعمار ومثقف ملتزم ومتداخل وله العديد من الكتب والمقالات المهمة.