لغة السر
نجوى بركات
“…حانوت يغصّ بورق أصفر لا حاجة لأحد به. إذ ما تفعله قرية لا تملك مدرسة أو ما يشبه الكُتّاب، بحانوتي غريب مهووس بالأوراق؟ ومع ذلك، تتناقص كدسُ الأوراق حتى يفرغ الحانوت منها تماما، ثم يختنق بها من جديد. والصبي الذي يجيء كل نهار ليقف في الباب متأملا جانبا من وجه الحانوتي يضع على عينيه دائرتي زجاج ويحدّق خلال ساعات في كتاب، لا يفهم سرّ اختفاء الأوراق أو معاودة ظهورها….”
قرية السرّ هي اسم على مسمّى. فقد تميزت على الدوام بالهدوء والسكينة، ولم تشهد على امتداد التاريخ أيّة أعمال شغب. لم يعرف أحد من سكان القرية القراءة والكتابة، ولم يشاهدوا في حياتهم كتابا مطبوعا، أو أيّ شيء يتجاوز حدود قريتهم التي تبعد سبع ساعات عن عاصمة الإقليم. لم تسمع سلطات الإقليم أي شيء عن أبناء القرية بسبب تواضعهم، وهؤلاء لم يسمعوا عن السلطات إلا في فترات متباعدة من خلال زوار عابرين. كل ذلك حتى تلك الليلة المشؤومة التي انقلبت فيها الأمور رأسا على عقب، حيث تعرّف الضابط المحقق الذي أرسل بأمر من حاكم الإقليم على قصص تقشعرّ لها الأبدان: اعمال نهب وسلب، وقتل ودس للسّم. تحدث أبناء القرية عن أمور غريبة، وانتفخت شرايينهم من الغضب، وكالوا الشتائم والتهديد والوعيد، وانهالوا بالضرب على بعضهم البعض. ما علاقة كل ذلك بكميات الورق الهائلة التي تآكلت، واللوح الغامض الذي سرِق من معبد أخوّة صوفي؛ وبصنّاع اللغة الذين انكبوا على وضع قاموس حول علم الحروف؟
لغة السر، رواية إثارة فلسفية تسبر الكاتبة اللبنانية نجوى بركات من خلالها أغوار لعنة بابل التي تهدّدت مصير أبناء القرية، وحوّلت اللغة إلى دراما تنزف بالدم. تفحص بركات حدود اللغة والإيمان بوحيٍ من الأساطير والغموض الصوفي، واللاهوت، واللسانيات، وفقه اللغة. كل هذه تشكل العامود الفقري لرواية عصرية تتحول فيها اللغة من حاملة الحكاية إلى موضوعها، وفي قاعدتها يطرح السؤال التالي: هل ثمة لغة يمكن بواسطتها التحدث عن اللغة؟
ترجمة: كفاح عبدالحليم وبروريا هوروفيتس | تحرير أدبي: دفناه روزينبليط | تحرير لغوي: أميرة بنياميني نيفو
لاقتناء الكتاب