الياس خوري (عبر السكايب)
كنت اليوم أطالع الصحف وأقرأ حول ما جرى في البحرين (الورشة الاقتصاديّة الأمريكيّة المتعلّقة بما يسمّى صفقة القرن)، وفكّرت أنّ أدبًا مثل الأدب الذي أكتبه يجب أن يُترجم للغة العربيّة أيضًا! نحن في مشكلة أليمة، ففلسطين كانت ولا تزال، للأسف الشديد، ورغم كل الجهود، ملفوفة بالصمت. هناك طبعا صمت نتحدّث عنه دائمًا، الذي هو صمت الضحية، ولكن هناك أيضا الصمت القسريّ الذي يفرضه الجلّاد والمغتصب، الذي يفرض فيه روايته وحكايته. يفرضها بالقوة، ويفرضها بالتحالفات الدولية، ويفرضها بميزان القوى على الأرض وإلى آخره.
أول رواياتي التي تُرجمت إلى العبريّة كان رواية “باب الشمس”. في حينه، التقيت بـياعيل ليرر (صاحبة دار “الأندلس” للنشر) في باريس، وفكّرت في أنّ من يترجم راوية “باب الشمس” لديه استراتيجية مناقضة لاستراتيجية السلطة، التي تفرض ما يُترجم وما الذي لا يترجم، وأنا هنا لا أتحدث فقط عن السلطة السياسيّة، مثل ما تحدّث أنطوان شلحت، وهو محق في سرده التاريخيّ، إنما أتحدّث أيضًا عن كل السلطات؛ وخصوصًا عن السلطة الثقافيّة والسلطة الاجتماعيّة.
أعتقد أن ترجمة هذا النوع من الكتب هي استراتيجية مناهضة ومقاومة، وخصوصا الآن، في الفترة التي يسيطّر فيها اليمين العنصري الفاشي في إسرائيل. عندما يكتب الكاتب رواية، لا يكون بالضرورة يقاوم، إنما يكتب رواية لأنه يجب أن يكتب، يكتب تجربة يجب أن يعبر عنها، يجب أن يشعر بها من الداخل ومن الأعماق. كيفية قراءة الكتاب ومسألة تصنيفه تبدأ بعد صدوره، وترجمته إلى اللغة العبريّة، في ظل الواقع الحالي في إسرائيل، لا مكان لوصفها إلا كمقاومة للعنصرية المتفشية في المجتمع الإسرائيليّ وفي العالم بأسره. إنّه دور الأدب، الذي كان دائمًا، بالأساس، صرخة من أجل الحرية والعدالة، ولا معنى للأدب إذا لم يكن كذلك.
يأخذ مشروع ترجمة رواياتي إلى اللغة العبريّة، الذي بدأ بترجمة روايتَيْ “باب الشمس” و “يالو” في 2003 و2005، شكلا جديد مع “مكتوب”، مع صديقي يهودا شنهاف-شهرباني، الذي ترجّم مجموعة من الروايات، آخرها “أولاد الغيتو”، بجزئيه، الجزء الأول “اسمي آدم” والجزء الثاني “ستيلا ماريس” أو “نجمة البحر”. أنا أعتبر “مكتوب” مقاومة للفاشيّة والعنصريّة في إسرائيل، وبشكل عام. كوني أعرف المترجم، وأعرف مواقفه السياسيّة والفكريّة والثقافيّة، فأنا أعرف كيف يقرأ الأعمال الأدبية، وأنّه مثلي يراها مقاومة.
أذكر أنّه ذات مرّة، بعد صدور ترجمة لإحدى رواياتي للّغة العبريّة، كانت هناك حملة في مصر ضد ترجمة الرواية، وأذكر مقالا رائعًا كتبه إدوارد سعيد ردًّا على هذه الحملة، أخرس هذه الأصوات، معتبرًا أنّ الترجمة هي فعل ثقافيّ فكريّ، وفعل مقاومة. يجب أن نقرأ المسألة من ضمن هذا المنظور، وبالتالي، أنا، يعني إذا تمت ترجمة كتبي إلى اللغة العبرية، وقرأها المثقفون النقديّون الأصدقاء مثل إيلان بابي وأمنون راز كركتسوكين وأمثالهم فقط سأكون سعيدًا، صحيح أنّهم مهمشون اليوم في المجتمع الإسرائيلي، ولكن علينا أن نفكر كيف نقاوم الكولونيالية والعنصريّة والاستيطان والفكر الفاشيّ.
*قدمت هذه المداخلة خلال ندوة تحت عنوان “معرفة العدو أم اشتباك ثقافي” نظمتها سلسلة مكتوب في مقهى ليوان بالناصرة بتاريخ 27.6.2019. بالامكان الاطلاع على بقية المداخلات على موقعنا، هنا.